حاملات طائرات بأسماء رؤساء أميركيين ودورها في الشرق الأوسط

{title}
أخبار الأردن -

 

في الثامن عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1925 قصفت قوات الاحتلال الفرنسي العاصمة السورية دمشق، ردا على ثورة مسلحة انطلقت ضدها قبل أشهر من جبل الدروز. أثناء العدوان دمر الفرنسيون أسواق دمشق التاريخية، وأصابوا– بالخطأ القاتل- مكاتب ثلاث شركات أميركية كانت تعمل في سوريا، وهي: "سكوني للنفط"، و"سينجر لماكينات الخياطة"، و"ماكاندروز & فوربز للاستثمار".

وعلى الرغم من ابتعاد الولايات المتحدة عن هموم المنطقة آنذاك، إلا أنها أرسلت مدمرتين حربيتين إلى شواطئ بيروت، لردع الجيش الفرنسي وحماية بقية المصالح الأميركية في سوريا ولبنان. وقال القنصل الأميركي يومها بول نابينشو: "وجود هاتين السفينتين وحده يُعطي السكان شعورا بالاطمئنان".

سُحبت السفينتان في 6 ديسمبر/كانون الأول 1925، وبعد مئة عام إلا سنتين، تعود سفينة أميركية اليوم إلى المنطقة، في ظل الحرب المستجدة اليوم في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس. سفينة اليوم هي حاملة طائرات تحمل اسم الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد، الذي شهد عهده، مثل عهد كل من سبقه ولحقه في البيت الأبيض، تنامي صراعات الشرق الأوسط.

وصل فورد إلى الرئاسة في أغسطس/آب 1974، بعد عشرة أشهر من حرب أكتوبر/تشرين الأول، وفي مذكراته، يُحمل إسرائيل مسؤولية تباطؤ المفاوضات مع مصر، قائلا: "أساليبهم أحبطت المصريين وأصابتني بالجنون".

غادر فورد المكتب البيضاوي سنة 1977 وتوفي عام 2006، تاركا الشرق الأوسط- كما عرفه قبل عقود- غارقا في أزماته. ولم يتخيل أن سفينة عملاقة تحمل اسمه ستصل إلى المنطقة هذا الأسبوع، محملة بطائرات حربية وترافقها طرادات ومدمرات، عد البعض وصولها قرب تدخل الولايات المتحدة في حرب غزة. وقال آخرون عكس ذلك تماما، إن واشنطن تريد ردع كل الأطراف ومنع أي دول أخرى من التدخل.

رؤساء القرن التاسع عشر

فكرة المدمرات الحربية بدأت مع البحرية الإسبانية سنة 1885 ولكنها باتت اليوم مرتبطة جدا بتاريخ الجيش الأميركي. كثيرا ما سميت هذه السفن على أسماء رؤساء أميركيين سابقين وكثيرا ما كانت وجهتها مياه الشرق الأوسط والخليج العربي.

معظم رؤساء أميركا في القرن التاسع عشر كانت لهم سفن حربية باسمهم شاركت في الحرب العالمية الأولى، أما رؤساء القرن العشرين، فكانت حصتهم في معظم الأحيان، المنطقة العربية. وعلى سبيل المثال، سميت سفينة صاروخية بالستية على اسم الرئيس المؤسس جورج واشنطن، دخلت العمل في أعقاب الحرب الباردة سنة 1959 أنهيت خدمتها تم نسقت في سبتمبر/أيلول 1998، لتظهر بعدها سفن أخرى بنفس الاسم "جورج واشنطن"، منها حاملة طائرات كبيرة استخدمت لحماية مدينة نيويورك إبان أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011.

ومن أشهر سفن البحرية الأميركية حاملة طائرات باسم الرئيس أبراهام لينكولن، أحد أشهر رؤساء أميركا الذي خاض الحرب الأهلية وفاز بها قبل اغتياله سنة 1865م. وفي أغسطس/آب 1998 استخدمت المجموعة القتالية المرافقة للحاملة لينكولن لإطلاق صواريخ التوماهوك على مصنع أدوية في السودان، قالت إدارة الرئيس بيل كلينتون في حينه إنه يستخدم لتصنيع أسلحة بيولوجية لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وانتقلت بعدها إلى المحيط الهندي لقصف معسكرات بن لادن بعد تفجير السفارات الأميركية في تنزانيا وكينيا.  

روزفلت وترومان

على الرغم من اهتمامها البسيط بشؤون المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن انخراط الولايات المتحدة مع العرب لم يبدأ حقيقة إلا في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، في زمن الحرب العالمية الثانية. قبل الحرب العالمية الأولى كان الاهتمام الأميركي بالمنطقة أقرب إلى التعاطف والشفقة، حيث لم يكن فيها لا نفط يُذكر ولا تهديد شيوعي، ولا إسرائيل ولا داعش.

تغير ذلك في عهد الرئيس فرانكلن روزفلت الذي مد يد التعاون للعرب لحثهم على عدم مساندة دول المحور، تخوفا من تعاطف عدد كبير منهم مع أدولف هتلر، المبني طبعا على كرههم لفرنسا وبريطانيا. طلب روزفلت دعم العرب لمحاربة النازية ودعاهم للمشاركة في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو نهاية شهر أبريل/نيسان عام 1945. وفي عهده وضِعت أساسات العلاقات السعودية- الأميركية ونالت سوريا ولبنان استقلالهما عن الانتداب الفرنسي.

لا غرابة إذن أن تكون السفينة التي حملت اسمه قد قضت معظم سنوات عملها في مياه المتوسط، ضمن الأسطول السادس. ثم جاءت سفينة "هاري ترومان" المسماة على اسم خليفة روزفلت، وهو الذي شهد نهاية الحرب العالمية الثانية وإعلان الدول العربية حربهم الأولى على إسرائيل عام 1948. سفينة "هاري ترومان" انطلقت عام 1998 واستخدمت في قصف العراق واحتلاله عام 2003، لتعود إلى المنطقة بعد ثلاث عشرة سنة لضرب عناصر الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أيضا من مياه المتوسط.

أيزنهاور وكيندي

أما الرئيس دوايت أيزنهاور- خليفة هاري ترومان- فقد حظي بحاملة طائرات عملاقة أرسلت إلى المنطقة مع بدء أزمة الرهائن في إيران سنة 1979. وعادت مرارا، في المرة الأولى لإجلاء الدبلوماسيين الأميركيين يوم احتلال اسرائيل بيروت عام 1982، والثانية بعد مقتل 241 جنديا أميركيا من قوات المارينز في هجوم بيروت الشهير في أكتوبر/تشرين الأول 1983، أي قبل أربعين سنة من اليوم. وفي المرة الثالثة عادت الحاملة "دوايت أيزنهاور" للمشاركة في تحرير الكويت عام 1991، حيث وضعت في حالة من الجهوزية القصوى، تحسبا لقرار مفاجئ قد يتخذه صدام حسين بغزو السعودية.

وبعده كان عهد الرئيس جون كيندي، الأشهر بين رؤساء أميركا المعاصرين بسبب حادثة اغتياله سنة 1963. نظرا لسعتها وضخامتها صنفت الحاملة "جون كيندي" بـ"سوبر كاريير" ودشنت من قبل أرملته جاكلين كيندي سنة 1968. تم إرسالها إلى المنقطة العربية لردع الاتحاد السوفياتي أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، في طريقة تشبه إلى حد بعيد الدور المطلوب من الناقلة "جيرالد فورد" سنة 2023.

وقد عادت الناقلة إلى المنطقة إبان الهجوم على قوات المارينز في بيروت سنة 1983 وشاركت في قصف مناطق جبلية اللبنانية في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه. وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول ظهرت الناقلة "جون كيندي" مجددا لحفظ الأمن في المحيط الأطلسي، وفي عام 2002 استُخدمت قاعدتها لقصف حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان.

وبعد تاريخها الطويل الزاخر بالحروب أخرجت من الخدمة سنة 2007 وهي اليوم معروضة لتكون ضمن مقتنيات المتاحف الأميركية. عسكريا خلفتها الناقلة "جيرالد فورد" ومؤخرا دخلت الى الخدمة حاملة طائرات جديد باسم الرئيس كيندي.  

سفن أخرى ورؤساء آخرون

الرئيس ليندون جونسون، الذي كان على رأس عمله في حرب يونيو/حزيران عام 1967، ستكون له مدمرة تحمل اسمه مطلع العام المقبل، أما الرئيس جيمي كارتر فهو الوحيد بين أقرانه الذي سميت غواصة نووية باسمه. وخليفته الرئيس رونالد ريغان كرم بإطلاق اسمه على ناقلة عملاقة في يونيو/حزيران 2003، بعد ثلاثة أشهر فقط من احتلال العراق. وشاركت الناقلة "رونالد ريغان" سنة 2006 في الحرب على تنظيم القاعدة في العراق وعادت إلى المنطقة لإجلاء القوات الأميركية العائدة من أفغانستان في يونيو/حزيران 2021.

وأخيرا هناك ناقلة عملاقة أخرى تحمل اسم الرئيس جورج بوش الأب، بنيت في السنوات 2003-2009 بكلفة 6.2 مليار دولار. الرئيس بوش كان ضابطا بحريا في الحرب العالمية الثانية، والسفينة التي تحمل اسمه كانت مهمتها تعزيز عمليات الأسطول الخامس والسادس من البحرية الأميركية، قبل إرسالها إلى شاطئ تركيا الجنوبي في 5 مايو/أيار 2014 لتكون قريبة من جزيرة القرم في ظل تنامي الخلاف بين واشنطن وموسكو. وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، جاءت إلى الخليج العربي ردا على تنصيب أبو بكر البغدادي نفسه أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين من منبر أحد مساجد مدينة الموصل العراقية.

وفي المستقبل القريب ستكون هناك سفن وبوارج حربية بأسماء الرؤساء بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، وجو بايدن، ودونالد ترمب، في حال عدم سجنه. وعلينا أن ننتظر لنرى في أي حروب ستشارك في منطقتنا، أو أي حروب محتملة ستسعى لردعها.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير